مسائل في آيات الصيام الواردة في سورة البقرة
الأحد نوفمبر 06, 2016 6:49 am
السؤال
عندي تساؤلات تخص تفسير آيتين من سورة البقرة وهماأَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ۚ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) والآية التي تليها (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). قرأت أن الآية الأولى نزلت في بداية فرض الصوم على المسلمين لتعويدهم عليه, وأنها كانت تجيز الفطر لمن يطيق الصيام, وأن الآية التي تليها نسختها، وجعلت الصيام فرضاً على الجميع مع جواز الفطر للمريض والمسافر. أولاً: هل كان هناك فارق زمني بين نزول الآية الأولى والثانية؟ لأن في الأولى جواز الفطر لمن لا يحتمل الصيام، وفي الثانية وجوبه على الجميع. وهل الآيات في سور القرآن نزلت بنفس الترتيب الموجودة عليه الآن في القرآن الكريم؟ ثانياً: هل نسخ الآية الثانية للأولى يرفع حكم الأولى، ولا يجيز العمل به؟ وما الحكمة من ذكر الآية الأولى إذا كان العمل بأحكام الآية الثانية فقط؟ أخيراً: هل إعادة ذكر الترخيص للمريض والمسافر له علاقة برفع حكم الآية الأولى بما فيها؟ حيث تم ذكر الترخيص في الآيتين. جزاكم الله كلّ خير، ووفقكم لطاع
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك عدة أمور, وستكون الإجابة في النقاط التالية:
1ـ مذهب الجمهور أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية في حق الصحيح المقيم الذي يستطيع الصيام, جاء في فتح القدير للشوكاني عند تفسير قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ... الآية. قال الشوكاني: وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية، هل هي محكمة أو منسوخة فقيل: إنها منسوخة، وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام لأنه شق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم وهو يطيقه، ثم نسخ ذلك، وهذا قول الجمهور. وروي عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ، وأنها رخصة للشيوخ والعجائز خاصة إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة، وهذا يناسب قراءة التشديد، أي: يكلفونه كما مر. انتهى
2ـ كانت بين الآية الأولى والآية الثانية فترة زمنية غير محددة حسبما وقفنا عليه؛ حيث بدأ التدريج في فرض الصيام، فكانت الآية الأولى فيها تخيير بين الصيام والإطعام، وفي هذارخصة وتوسعة، حتى نزلت الآية الثانية التي فرضت الصيام فقط بالنسبة للقادر عليه. جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور: وعلى تفسير الطاقة بالقدرة فالآية تدل على أن الذي يقدر على الصوم له أن يعوضه بالإطعام، ولما كان هذا الحكم غير مستمر بالإجماع قالوا في حمل الآية عليه: إنها حينئذ تضمنت حكما كان فيه توسعة ورخصة، ثم انعقد الإجماع على نسخه، وذكر أهل الناسخ والمنسوخ أن ذلك فرض في أول الإسلام لما شق عليهم الصوم، ثم نسخ بقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه [البقرة: 185] ونقل ذلك عن ابن عباس، وفي البخاري عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع نسختها آية شهر رمضان [البقرة: 185] ثم أخرج عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم من يطيقه، ورخص لهم في ذلك فنسختها: وأن تصوموا خير لكم، ورويت في ذلك آثار كثيرة عن التابعين وهو الأقرب من عادة الشارع في تدرج تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس من تغيير معتادهم، كما تدرج في تشريع منع الخمر. انتهى
3ـ سواء قلنا إن الآية الأولى منسوخة بالثانية كما هو مذهب الجمهور، أم قلنا إن الآيتين محكمتان، وكل منهما تخص حالة معينة، فإن الإجماع منعقد على أن القادر الحاضر غير الحائض والنفساء يجب عليه الصيام من غير تخيير.
4ـ وجه إعادة ذكر الترخيص للمريض والمسافر في الآية الثانية قد نبَّه عليه ابن عاشور في التحرير والتنويرحيث قال: وقوله: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة... قالوا في وجه إعادته مع تقدم نظيره في قوله: فمن كان منكم مريضا [البقرة: 184] إنه لما كان صوم رمضان واجبا على التخيير بينه وبين الفدية بالإطعام بالآية الأولى وهي: كتب عليكم الصيام [البقرة: 183] إلخ وقد سقط الوجوب عن المريض والمسافر بنصها، فلما نسخ حكم تلك الآية بقوله: شهر رمضان... الآية، وصار الصوم واجبا على التعيين خيف أن يظن الناس أن جميع ما كان في الآية الأولى من الرخصة قد نسخ، فوجب الصوم أيضا حتى على المريض والمسافر، فأعيد ذلك في هذه الآية الناسخة تصريحا ببقاء تلك الرخصة، ونسخت رخصة الإطعام مع القدرة والحضر والصحة لا غير. انتهى.
5ـ ترتيب القرآن الموجود في المصحف الآن ليس على حسب نزوله، وإنما نزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجما حسب الوقائع والحوادث،
6ـ الحكمة من تلاوة ما نسخ حكمه من القرآن, وبقي لفظه نبه عليها الإمام السيوطيفي الإتقان, حيث قال:
فإن قلت: ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة ؟: فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فيتلى لكونه كلام الله، فيثاب عليه، فتركت التلاوة لهذه الحكمة. والثاني: أن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفع المشقة. انتهى
ويمكن أن يقال: إن من الحكمة في هذا النوع من النسخ التذكيرَ بلطف الله بعباده في التشريع، والتدرج معهم في ترك مألوفاتهم، أو فعل ما فيه مشقة عليهم.
والله أعلم.
عندي تساؤلات تخص تفسير آيتين من سورة البقرة وهماأَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ۚ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) والآية التي تليها (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). قرأت أن الآية الأولى نزلت في بداية فرض الصوم على المسلمين لتعويدهم عليه, وأنها كانت تجيز الفطر لمن يطيق الصيام, وأن الآية التي تليها نسختها، وجعلت الصيام فرضاً على الجميع مع جواز الفطر للمريض والمسافر. أولاً: هل كان هناك فارق زمني بين نزول الآية الأولى والثانية؟ لأن في الأولى جواز الفطر لمن لا يحتمل الصيام، وفي الثانية وجوبه على الجميع. وهل الآيات في سور القرآن نزلت بنفس الترتيب الموجودة عليه الآن في القرآن الكريم؟ ثانياً: هل نسخ الآية الثانية للأولى يرفع حكم الأولى، ولا يجيز العمل به؟ وما الحكمة من ذكر الآية الأولى إذا كان العمل بأحكام الآية الثانية فقط؟ أخيراً: هل إعادة ذكر الترخيص للمريض والمسافر له علاقة برفع حكم الآية الأولى بما فيها؟ حيث تم ذكر الترخيص في الآيتين. جزاكم الله كلّ خير، ووفقكم لطاع
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد تضمن سؤالك عدة أمور, وستكون الإجابة في النقاط التالية:
1ـ مذهب الجمهور أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية في حق الصحيح المقيم الذي يستطيع الصيام, جاء في فتح القدير للشوكاني عند تفسير قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ... الآية. قال الشوكاني: وقد اختلف أهل العلم في هذه الآية، هل هي محكمة أو منسوخة فقيل: إنها منسوخة، وإنما كانت رخصة عند ابتداء فرض الصيام لأنه شق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم وهو يطيقه، ثم نسخ ذلك، وهذا قول الجمهور. وروي عن بعض أهل العلم أنها لم تنسخ، وأنها رخصة للشيوخ والعجائز خاصة إذا كانوا لا يطيقون الصيام إلا بمشقة، وهذا يناسب قراءة التشديد، أي: يكلفونه كما مر. انتهى
2ـ كانت بين الآية الأولى والآية الثانية فترة زمنية غير محددة حسبما وقفنا عليه؛ حيث بدأ التدريج في فرض الصيام، فكانت الآية الأولى فيها تخيير بين الصيام والإطعام، وفي هذارخصة وتوسعة، حتى نزلت الآية الثانية التي فرضت الصيام فقط بالنسبة للقادر عليه. جاء في التحرير والتنوير لابن عاشور: وعلى تفسير الطاقة بالقدرة فالآية تدل على أن الذي يقدر على الصوم له أن يعوضه بالإطعام، ولما كان هذا الحكم غير مستمر بالإجماع قالوا في حمل الآية عليه: إنها حينئذ تضمنت حكما كان فيه توسعة ورخصة، ثم انعقد الإجماع على نسخه، وذكر أهل الناسخ والمنسوخ أن ذلك فرض في أول الإسلام لما شق عليهم الصوم، ثم نسخ بقوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه [البقرة: 185] ونقل ذلك عن ابن عباس، وفي البخاري عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع نسختها آية شهر رمضان [البقرة: 185] ثم أخرج عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم من يطيقه، ورخص لهم في ذلك فنسختها: وأن تصوموا خير لكم، ورويت في ذلك آثار كثيرة عن التابعين وهو الأقرب من عادة الشارع في تدرج تشريع التكاليف التي فيها مشقة على الناس من تغيير معتادهم، كما تدرج في تشريع منع الخمر. انتهى
3ـ سواء قلنا إن الآية الأولى منسوخة بالثانية كما هو مذهب الجمهور، أم قلنا إن الآيتين محكمتان، وكل منهما تخص حالة معينة، فإن الإجماع منعقد على أن القادر الحاضر غير الحائض والنفساء يجب عليه الصيام من غير تخيير.
4ـ وجه إعادة ذكر الترخيص للمريض والمسافر في الآية الثانية قد نبَّه عليه ابن عاشور في التحرير والتنويرحيث قال: وقوله: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة... قالوا في وجه إعادته مع تقدم نظيره في قوله: فمن كان منكم مريضا [البقرة: 184] إنه لما كان صوم رمضان واجبا على التخيير بينه وبين الفدية بالإطعام بالآية الأولى وهي: كتب عليكم الصيام [البقرة: 183] إلخ وقد سقط الوجوب عن المريض والمسافر بنصها، فلما نسخ حكم تلك الآية بقوله: شهر رمضان... الآية، وصار الصوم واجبا على التعيين خيف أن يظن الناس أن جميع ما كان في الآية الأولى من الرخصة قد نسخ، فوجب الصوم أيضا حتى على المريض والمسافر، فأعيد ذلك في هذه الآية الناسخة تصريحا ببقاء تلك الرخصة، ونسخت رخصة الإطعام مع القدرة والحضر والصحة لا غير. انتهى.
5ـ ترتيب القرآن الموجود في المصحف الآن ليس على حسب نزوله، وإنما نزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل منجما حسب الوقائع والحوادث،
6ـ الحكمة من تلاوة ما نسخ حكمه من القرآن, وبقي لفظه نبه عليها الإمام السيوطيفي الإتقان, حيث قال:
فإن قلت: ما الحكمة في رفع الحكم وبقاء التلاوة ؟: فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فيتلى لكونه كلام الله، فيثاب عليه، فتركت التلاوة لهذه الحكمة. والثاني: أن النسخ غالبا يكون للتخفيف فأبقيت التلاوة تذكيرا للنعمة ورفع المشقة. انتهى
ويمكن أن يقال: إن من الحكمة في هذا النوع من النسخ التذكيرَ بلطف الله بعباده في التشريع، والتدرج معهم في ترك مألوفاتهم، أو فعل ما فيه مشقة عليهم.
والله أعلم.
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى